إميل رستم لـ”أحوال”: قدتُ الحكمة لاعبًا ومدربًا بطلب من “هنري الأسمر”
لعبتُ للفريق الأول ولي من العمر 14 عامًا ونصف
زرع الكهنة القيّمون على مدرسة الحكمة – الأشرفية حبّ الرياضة عمومًا وكرة القدم خصوصًا في نفس الفتى “إميل رستم” عندما كان تلميذًا، ليصبح في ما بعد قائدًا ومدربًا لفريق الرجال ومنتخب لبنان الوطني.
موقع “أحوال” كان له محطّة عند رستم المولود في 27 آذار/مارس 1952، والذي يقول إن شغفه بكرة القدم بدأ مبكرًا وكان يسعد كثيرًا عندما يلعب ولو لمدّة 5 دقائق في المدرسة يوميًا على ملعب مخصّص للصغار، ومن بعدها انتقل مع الفتيان إلى الملعب الأكبر، كما لا ينسى التقليد الرياضي السنوي الذي تنظمه إدارة المدرسة بحضور قائد الجيش وكبار الشخصيات؛ وكان في الوقت عينه مشجعًا وفيًا لفريق الحكمة الأول، وكان ينتظره بفارغ الصبر حين يتدرّب أو يلعب على ملعب المدرسة، بل كان يبتهج حين يلتقط الكرات المتطايرة ويعيد تسليمها إلى اللاعبين الذين كانوا بالنسبة لهم بمثابة “الحلم”. وفي عام 1962، أحرز مع فريق الصغار بطولة لبنان للمدارس التي كانت تُنظّم تحت إشراف المركز الثقافي الفرنسي.
في 23 كانون الأول/ديسمبر 1966، لعب رستم أول مباراة له مع الفريق الأول وله من العمر 14 عامًا ونصف، إذ أنهى في ذاك اليوم مباراة له في شوارع الأشرفية وأحرز كأس الدورة التي تنظّم بين “الأولاد”، وهرول مسرعًا إلى ملعب حبيب أبي شهلا لمشاهدة المباراة التي تجمع “الحكمة” و”انترانيك” في دوري الدرجة الأولى، وكان المدرّب بحاجة إلى مدافع فأشرك رستم من دون تردّد، وفاز يومها فريقه بهدف نظيف في مباراة أُقيمت عند الحادية عشرة صباحًا.
وفي عام 1968، لعب رستم في مركز قلب الهجوم تحت إشراف حارس المرمى والمدرب آنذاك سميح شاتيلا، ونجح في هزّ شباك الخصوم مرّات عدّة وجاء رابع الهدّافين؛ وفي الموسم التالي لعب تحت قيادة المصري ميمي الشربيني الذي أقحم عناصر جديدة مثل عهدي أيوب وجمال العقاد وإبراهيم عبد الصمد، كما لا ينسى هدف الفوز برأسه في مرمى الهومنتمن في نصف نهائي كأس “ادمون ربيز” على ملعب برج حمود، ويومها كانت الهزيمة الأولى للفريق الأرمني على الملعب المذكور بحسب رستم. وفي الموسم التالي، تسلّم المدرب “غي حلو” ويومها أصيب المدافع سمير حاطوم في إحدى المباريات وخف عطائه، فطلب حلو من رستم أن يشغل مركز قلب الدفاع إلى جانب حاطوم ونجح بإمتياز.
ويقول رستم لـ”أحوال”: “بقيت في هذا المركز حتى تاريخ اعتزالي في 17 تشرين الأول/أكتوبر 1988، ولم ألعب إلّا لفريق الحكمة باستثناء بعض المباريات الودية “معارا” للصفاء والاستقلال في رحلتين إلى العراق، ويومها فاز الصفاء 1-0 ولنادي الهومنمن ضد فريق بلغاري في برج حمود انتهت بالتعادل السلبي”.
قائدًا ومدربًا
بعدها، يقول رستم إنه “فُرض” عليه بأن يكون لاعبًا ومدربًا للفريق بطلب من أمين عام الحكمة آنذاك هنري الأسمر والذي أصبح فيما بعد رئيسًا، وكان رستم يعتبره بمثابة الأب الروحي والسند الحقيقي للفريق ولا يمكن أن يرفض له طلبًا؛ وبالفعل، بدأ رحلة التدريب مطلع الثمانينات وأحرز مع الحكمة لقبَي بطولة دوري، المنطقة الشرقية، عامي 87 و88 وكأس الاستقلال أعوام 85 و86 و88 وكأس الاتحاد عام 1982، “وكانت لي تجربة سابقة في التدريب حين أشرفت على فريق مدرسة الحكمة عام 1975، الذي أحرز بطولة المدارس بعد فوزه على مدرسة الطريق الجديدة بهدف نظيف على المدينة الرياضية”.
وفي عام 1981، طار رستم إلى مدينة “فيشي” الفرنسية وخضع لدورة تدريبية على أعلى مستوى، واصطحب فريقه في السنة التالية والتي بعدها لإقامة معسكر تدريبي واللعب وديًا مع الفرق الفرنسية، ما جعل الحكمة يتفوّق بدنيًا ومهاريًا على الفرق المحلية عندما يخوض بطولة الدوري.
ولا يغيب عن بال رستم بالطبع مباراة “الديربي” بين الحكمة والراسينغ التي كانت تقام في أجواء متشنجة جماهيريًا، ويطلب دوما من قوى “الأمر الواقع” في الشرقية بضبط الأمن في الملعب وغالبًا ما تستكمل بشوط “ثالث” خارج الملعب حسب تعبير رستم، أي مشاجرات بين جمهور الناديين، ولكنها عند رستم تنتهي عند إطلاق حكم المباراة صافرة النهاية. ولا ينسى المباراة النهائية لكأس الاتحاد عام 1982 بحضور الشيخ بيار الجميل ونجله أمين أمام جمهور ملأ مدرجات ملعب برج حمود عن بكرة أبيها، ويومها فاز الحكمة وانتزع الكأس.
ويفتخر رستم بأنه من اللاعبين القلائل الذين حملوا شارة القيادة في سن مبكرة بناءا على طلب من سمعان حطاب الذي يكبره بعشر سنوات، فقامت الإدارة بمنحه الشارة منذ 1972 وبقي حتى اعتزاله عام 1988.
وفي مطلع الثمانينات ومع استلامه مهام التدريب، ارتفع أداء الفريق بشكل ملحوظ وبات يلعب يطبق طريقة “السيستم” بعناية، حتى أن أحد الصحافيين قال له يومًا: “نحن نستمتع بالأداء الحكماوي ولا نسأل إذا كان الفريق سيخسر بل كم هدف سيسجل في كل مباراة”.
وخاض رستم العديد من المباريات الدولية مع المنتخبات الوطنية بفئاتها السنية كافة، بدءا من منتخب المدارس في الدورة العربية عام 1973 والناشئين في طهران في العام عينه، وصولًا إلى تصفيات أمم آسيا 1980 في أبو ظبي؛ ويومها تحامل الحكم الكويتي عبد الله البناي على المنتخب اللبناني وألغى هدفًا لا غبار عليه لشقيقه طوني في لقاء سوريا. ويرى رستم أن طريقة تحضير المنتخبات سابقًا كانت عشوائية، “إذ يحضر المسؤول قبل أيام ويجمعنا ويقول لنا: شباب عندنا سفرة”.
فرانكي “الكندرجي”
من الحوادث التي لا تُمحى من بال رستم، تلك التي حصلت في صيف 1986 حين كان الفريق في إجازة ويستعد وديًا تحت إشراف زميله “فاتشيه سركيسيان” لتجربة بعض اللاعبين الشباب، ويومها قال سركيسيان لرستم: “سنخوض مباراة تحضيرية أمام فريق أفريكا”؛ هنا دهش رستم وقال “من يكون هذا الفريق؟”، فأجابه “خليط من اللاعبين الأفارقة المقيمين في المنطقة الشرقية آنذاك”، وذهب رستم إلى ملعب الدكوانة لدقائق معدودة ولفته لاعب أسمر أثناء عملية الاحماء يحمل الرقم 2 وطلب من فاتشيه أن يصحبه معه بعد المباراة للاتفاق معه وغادر رستم الملعب. وفي العاشرة والنصف ليلًا، حضر فاتشيه مع اللاعب المذكور إلى منزل رستم واعتذر عن التأخير ولكنه قص عليه ما حصل، فأخبره أن إداريين من الروضة والراسينغ حاصروا اللاعب في الملعب وطلبوا منه إبراز جواز سفره تمهيدًا لضمه، ولكنه لم يخبرهم بمكان وجود الجواز وانهالوا عليه بالضرب ثم طلبوا منه أن يصطحبهم إلى منزله، فأقاموا الدنيا ولم يقعدوها وفتشوا في كل الغرف ولم يجدوا الجواز، هنا اصطحب اللاعب رستم وفاتشيه إلى منزله، ولحظة خروجهم من المصعد قام اللاعب الأسمر بسحب جوازه من على سطح المصعد وسط دهشة الضيفين.
بعد ذلك انضم الغاني عبد الوهاب سليمان الملقب بـ”فرانكي” إلى الحكمة وأصبح هدافًا محبوبًا من الجماهير، وترك مهنته التي كان يقتات منها في “الشرقية”، إذ كان يعمل في تصليح الأحذية أو ما يعرف “الكندرجي”.
رستم مدربًا
بعد أن أشرف على الحكمة لسنوات طويلة، خاض رستم رحلة تدريبية مع فرق الصفاء والنجمة والأنصار ومنتخب لبنان للناشئين والأولمبي والمنتخب الأول، إضافة إلى فريقَي المدرسة الحربية والأمن العام.
وأخيرًا، يختم رستم كلامه لموقعنا بالإشارة إلى أن كرة القدم أعطته محبة الناس وصداقات كثيرة مع أغلبهم، ولكن للأسف هناك من نسي هذه الصداقة وإن كانوا فئة قليلة والأمر لم يعد يعنيه، ولكنه دائم التواصل مع أصحاب الماضي الأوفياء، وأيضًا هو من أعطى من ماله وجهده لنادي الحكمة ولم يتقاضَ أي بدل مادي طيلة مسيرته معه، لأنه كان يعني له كل شيء.